في ورقة بحثية جديدة صادرة عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي، تناول يويل جوزانسكي، الباحث المتخصص في سياسات وأمن الخليج العربي. فرص التهديد الإيراني بالنسبة للإمارات، وقد صارت الشريك الرئيسي لإسرائيل في الخليج. والجهود الإماراتية التي تبدو وكأنها “بوليصة تأمين” لردع مطامع دولة الملالي.

يؤكد الباحث الإسرائيلي أن الإمارات، ترى أن إيران تشكل التهديد الرئيسي لأمنها القومي. مشيرًا إلى أن فهم الاتجاه السياسي للإمارات مهم لإسرائيل. ليس فقط لأنها دولة رئيسية من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية في الشرق الأوسط. ولكن أيضًا “لأنها ترسم مسارًا للآخرين” بالنسبة للعلاقات سواء مع إيران أو مع دولة الاحتلال. حيث تتقدم الإمارات بشكل عام على السعودية في مناوراتها السياسية. ضاربًا مثالًا بالاتصالات الأخيرة بين إيران والسعودية، والتي جاءت بعد الحوار الإيراني-الإماراتي.

التهديدات المتبادلة وحساب المخاطر

تشمل التهديدات الإيرانية منشآت النفط وتحلية المياه الإماراتية، والتهديد غير المباشر عبر المتمردين الحوثيين في اليمن، إمكانية التخريب والإرهاب عبر الجالية الإيرانية الكبيرة الموجودة في دبي. هناك تهديد آخر محتمل، يشمل القيام بعمليات تخريب وإرهاب محتملة، السيطرة الفعلية على الأراضي الإماراتية.

تمثل الرد الإماراتي في تطوير مجموعة من الردود الدفاعية، مع السعي -في الوقت نفسه- للحفاظ على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية المفتوحة مع إيران قدر الإمكان. كنوع من “بوليصة التأمين”، وفق الباحث الإسرائيلي.

ويرى جوزانسكي أن جهود الإمارات الحالية للتقريب أكثر من إيران “تهدف إلى موازنة صورتها كمساعد استخباراتي وعملي لإسرائيل”. موضحًا أنه على دولة الاحتلال أن تأخذ في الاعتبار أن دور الإمارات فيما يسمى بـ”الجبهة ضد إيران” قد يتغير. لا سيما في ظل التصدعات الناشئة في هذه الجبهة، خاصة إذا كان هناك اتفاق نووي بين إيران والقوى العالمية.

لكن، على الرغم من التوترات المستمرة مع إيران، فقد أبقت الإمارات على درجة معقولة من المشاركة وسيبقى تطور هذه العلاقات في المستقبل مرهوناً إلى حد كبير بمسار المفاوضات المحتملة المقبلة بين إيران والولايات المتحدة إضافة إلى الأوروبيين.

حالياً، فإن الواضح أن التجارة الثنائية، والعلاقات الدبلوماسية والجهود الإنسانية تقدم خلفية داعمة للسياسة النووية الرئيسية والجهود ذات الصلة المقبلة. حسب تحليل الكاتبة بانفشة كينوش الذي نشره معهد دول الخليج العربي في واشنطن.

لفتت كينوش أيضًا إلى أن التوترات والتحديات الإقليمية التي تواجه الاقتصاد الإيراني تدفع إيران لعدم القدرة على تحمل الإضرار بعلاقاتها مع الإمارات بشكل لا رجعة فيه “ولكنها مع ذلك تتجاهل قلق الإمارات من الاستفزازات الإيرانية المتكررة. وما تزال إيران تقول إنها تريد بناء أمن إقليمي بشكل تعاوني”.

وتضيف: من خلال ضمان نمو مستدام للمنطقة. وبالنظر لالتزامات إيران نحو التجارة، فإن ذلك يشجع توزيع الفرص بين دول الخليج وإيران، والذي ينتج عنه توزيع المخاطر على هذه الدول المسؤولة عن الأمن الإقليمي.

بين المقاطعة النووية والمصالح الاقتصادية

ساعد القرب الجغرافي بين إيران والإمارات -إضافة إلى العلاقات التاريخية بين دبي وإيران- في جعل الدولة التي صارت مركزًا ماليًا عالميًا هي الشريك التجاري الرئيسي لدولة الملالي، باستثناء النفط الذي تحتل شراكته الأولى الصين. أمّا الولايات المتحدة، فقد بلغ حجم التجارة بينها وبين إيران في عام 2018 ما يقرب من 13 مليار دولار بشكل علني -مع وجود الكثير من التجارة غير المشروعة- لكن تراجع كل هذا مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية.

دعمت الإمارات علنا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، وتعاونت مع حملة الضغط الأمريكي على إيران. بالتالي، انخفض حجم تجارتها السنوية مع إيران إلى 7 مليارات دولار. علاوة على ذلك -ورغم الضربة الاقتصادية- دعمت الإمارات العقوبات المفروضة على إيران، مع بعض الاستثناءات. بل، وزادت من حين لآخر سرعة إنتاجها النفطي من أجل تعويض عجز النفط الإيراني في الأسواق.

في الوقت نفسه، بينما كانت الإمارات تشعر بالقلق من الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن عودة محتملة للاتفاق النووي -ما قد يعزز نفوذ إيران الإقليمي- فمن المرجح أن تستفيد التجارة بينهما من إزالة العقوبات عن إيران من خلال توسيع نطاق الاتفاق النووي. حسب ترجيح الباحث الإسرائيلي.

كان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قلقا بشأن إيران نووية، والتي كانت أحد العوامل التي جعلت بلاده أقرب إلى إسرائيل، وأدت إلى اتفاق إبراهيم. كما بنى الجيش الإماراتي في السنوات الأخيرة للدفاع عن البلاد من التهديد الإيراني. مع ذلك، حرصت على الحفاظ على قناة دبلوماسية مفتوحة مع إيران. بل، أبقت تمثيلها في طهران مفتوحًا في عام 2016، عندما أغلقت العديد من الدول العربية مكاتبها في أعقاب الهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

فصل جديد في العلاقة

حدث تغيير محوري في عام 2019، عندما دخلت الإمارات في حوار مع إيران بعد الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط في الخليج. جاءت الخطوة الإماراتية خوفا من هجوم إيراني على أهداف إماراتية. اشتد الاتجاه نحو التقارب عندما أعلنت الإمارات انسحاب قواتها من اليمن، وشمل توقيع مذكرة بشأن زيادة التنسيق بين خفر السواحل في الدول، وإلغاء تجميد الودائع الإيرانية في البنوك الإماراتية، والتعاون مع الكويت وقطر لتقديم مساعدات طبية لإيران للمساعدة في مكافحة جائحة كوفيد -19.

في الوقت نفسه، لم تمنع حيطة بن زايد من رفع مستوى الاجتماعات بين كبار المسؤولين من الجانبين. بعد زيارته لدبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حيث التقى أنور قرقاش، كبير مستشاري رئيس الدولة ووزير الدولة خليفة شاهين. قال نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري إن إيران والإمارات “قررتا إطلاق فصل جديد في علاقتهما”.

بدأ الفصل الجديد بين مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد -شقيق ولي العهد- وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني. خلال فترة استراحة في المفاوضات بين القوى العالمية وإيران من أجل عودة خطة العمل الشاملة المشتركة. أعرب بن زايد عن أمله في أن تكون الزيارة “نقطة تحول” في العلاقات، ودعا رئيسي إلى زيارة الإمارات.

اللقاء الذي جرى في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2021. عقّب عليه مصدر دبلوماسي إسرائيلي وصفته صحيفة جيروزاليم بوست بأنه “رفيع المستوى في القدس”. قائلًا: “تحوط الإماراتيين في رهاناتهم ليس بادرة جيدة” من حيث رؤيتهم للمحادثات الإيرانية. وأضاف: أنهم يرون خطر العودة إلى تطبيع إيران لعام 2015، لذا فهم يتوخون الحذر.

وتابع خلال حديث مع لاهف هاركوف المراسلة الدبلوماسية للصحيفة: إيران جارتهم دولة كبيرة. لذا، فإن الإمارات بحاجة إلى أن تلعب لعبة مختلطة. حتى عندما كان لديهم خط أكثر معاداة لإيران، كانوا حذرين وحافظوا على العلاقات الاقتصادية

التقارب الإماراتي- الإسرائيلي في مواجهة إيران

يلفت تحليل جوزانسكي، المتخصص في سياسات وأمن الخليج العربي إلى أنه على إسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار تغييراً محتملاً في دور الإمارات في الجبهة الإقليمية ضد إيران. لا سيما في ظل التصدعات الإضافية التي تظهر في هذه الجبهة، وخاصة إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران.

وقال: في عصر التحالفات المتقلبة والولاءات المتغيرة، يجب على إسرائيل الانتباه إلى الديناميكيات الإقليمية وفحص ما إذا كانت ستؤثر على عمليات التطبيع في المنطقة وكيف ستؤثر -بشكل أساسي ولكن ليس فقط- مع المملكة العربية السعودية.

يُشير كذلك إلى أن التهديد الذي تشكله طهران لإسرائيل والإمارات أدى إلى تقريب البلدان على مر السنين “حتى لو شددت إسرائيل على التهديد النووي الإيراني”، وفق قوله. بينما تعتبر الإمارات إيران “قوة مهيمنة محتملة تسعى إلى فرض إرادتها على المنطقة بأسرها”، مع معرفة أكيدة بأن الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تحتفظ بها إيران ووكلائها –يقصد الحوثي- يمثلون أكبر تهديد لها في الفترة الحالية.

ويُعدد الباحث الإسرائيلي الفوائد التي تجنيها الإمارات من التحالف مع دولة الاحتلال. منها التنسيق على المستوى السياسي – الاستراتيجي في الأمور المشتركة ذات الاهتمام. التعاون على مستوى العمليات الاستخباراتية للتعامل مع التهديدات الملموسة. تكنولوجيا أمنية من إسرائيل تحتاجها الإمارات، خاصة في ظل الثغرات الموجودة في دفاعاتها المضادة للصواريخ “علاوة على ذلك، يمكن أن تضيف الروابط مع إسرائيل وقدراتها بشكل كبير إلى الردع الإماراتي في أعين إيران”، كما يقول.

على الجانب الموازي، عملت إسرائيل على إنشاء جبهة إقليمية واسعة ضد إيران مع الدول العربية “البراجماتية” -كما يصفها جوزانسكي- رغم وجود عدد من التشققات في هذه الجبهة. بما في ذلك إحجام دول الخليج الواضح عن اعتبارها نوعًا “قاعدة إسرائيلية في متناول إيران”.

يذكر الباحث الإسرائيلي ما كتبه رئيس تحرير صحيفة “كيهان” الإيرانية اليومية المحافظة -المقرّب من المرشد الأعلى للبلاد- أن خيانة الإمارات للفلسطينيين “تجعلها هدفًا مشروعًا وسهلاً”. بحسب ما قيل وقتها، خططت إيران لمهاجمة دبلوماسيين إماراتيين على الأراضي الأفريقية.

التوازن الأمني والاقتصادي

جاء تقرير منتدى الإمارات للأمن، والذي حمل عنوان “العلاقات الأمريكية-الخليجية في منطقة متغيرة”، أمس الجمعة 11 فبراير/شباط. يحمل توصيات استندت إلى العروض التقديمية والمناقشات، خلال المنتدى الذي عقد افتراضيًا في الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر/ كانون الأول 2021. من ضمن هذه التوصيات عدة نقاط متعلقة بإيران.

قال التقرير “في حين أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ضرورية لأمن المنطقة، إلا أنها لن تحل قضية العلاقات المعقدة بين طهران ودول الخليج العربية”. حيث لا يزال برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونقل التكنولوجيا إلى فاعلين دون الدولة “يشكل نقطة ضعف أمنية مروعة تكافح دول الخليج لمعالجتها”.

واقترح المشاركون في المنتدى، لمساعدة دول الخليج العربية على معالجة هذه المعضلة الاستراتيجية، على الولايات المتحدة أن تقوم بمعالجة الأمن الإقليمي على نطاق أوسع بدلاً من مجرد التركيز على الملف النووي، والسعي لبناء تحالف متعدد الأطراف للعمل ضد دعم إيران للميليشيات.

كذلك اقترحت التوصيات أن تنتهج دول الخليج استراتيجيات مختلفة لتقليل عدم التكافؤ في علاقاتها مع إيران. يجب أن يعملوا على خلق نظام دفاعي أكثر تماسكًا، مثل مركز القيادة العسكرية الموحدة الجديد لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

يُشير جوزانسكي في تحليله إلى أن الجهود الحالية التي تبذلها الإمارات للاقتراب من إيران. تهدف -من بين أمور أخرى- إلى “تحقيق التوازن بين هذه الصورة الإشكالية لمساعدة استخباراتية وعملية لإسرائيل”. لا سيما مع إدراك أن مكانة إيران في المنطقة يمكن أن تتحسن إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد.

الخليج بانتظار “شخص ما”

يُشير الباحث الإسرائيلي أيضًا إلى أن إيران “لم تكن بحاجة إلى اتفاقيات التطبيع لتعرف التعاون الأمني ​​بين إسرائيل وجيرانها العرب”. أو أنها هدف هذا التعاون. لكن الاتفاقات “جعلت الوجود الإسرائيلي في الخليج رسميًا علنيًا وعذرًا محتملاً آخر لهجوم إيران”. مُلقيًا الضوء على زيادة التوتر بين إيران والإمارات بداية العام الجاري، مع تصاعد الهجمات الحوثية على أهداف إماراتية.

كان من المفترض أن الولايات المتحدة سترسل قوات جوية وبحرية للمساعدة في الدفاع الإماراتي بداية فبراير/ شباط، الجاري. كذلك ستنظر في إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. لكن، ليس من الواضح ما إذا كان هناك أي تورط إيراني مباشر في الهجمات. والتي من المرجح أن طهران وافقت عليها مسبقًا.

يؤكد الباحث المتخصص في سياسات وأمن الخليج العربي. أن الأنظمة الملكية السنية سوف تكون سعيدة إذا قام “شخص ما” بالمهمة نيابة عنها. وإلحاق أضرار جسيمة وطويلة الأمد ببرنامج إيران النووي. حيث يدرك الإماراتيون أنهم في مرمى النيران وهدف شبه مؤكد للهجوم الإيراني رداً على أي هجوم على منشآتها النووية. ومن هنا جاءت جهودهم للحفاظ على علاقات معقولة مع إيران.