نشرت جريدة فايننشال تايمز/ Financial Times الاقتصادية البريطانية، تقريرا حول الأزمة التي تسبب بها نقص مخزون العملات الأجنبية في مصر. والذي كان تأثيره بالغا على قطاع الاستيراد المصري، ما أدى توقف العديد من الشحنات، سواء لإلغاء عدد من التعاقدات، أو في الموانئ المصرية، حيث تقبع العديد من شحنات البضائع في انتظار الإفراجات الجمركية.
يقول التقرير: مع نقص المعروض من العملات الأجنبية في مصر، أمضى رفيق شهر ديسمبر/ كانون الأول، في انتظار معرفة ما إذا كان مصرفه سيكون قادرًا على توفير مبلغ 67000 دولار، وهو المبلغ الذي يحتاجه لتمويل استيراد شحنة من قطع غيار السيارات من أوروبا.
لكن بحلول نهاية العام، كانت الدولارات ما زالت غير متوفرة. نتيجة لذلك، كانت وارداته في عام 2022 مجرد عُشر كمية السنة العادية.
وصف رفيق الوضع لمحرر الصحيفة البريطانية بأن “الظروف كارثية”. يقول: لا توجد دولارات، وليست لديَّ أية فكرة عن كيفية حلها. لديَّ خمسة موظفين، ونحن الآن نعمل على ما حققناه في السنوات السابقة.
اقرأ أيضا: تقترض الحكومة وتربح البنوك.. اللاعبون الكبار في سوق الدين المحلي
مأزق الاستيراد
يقول التقرير: تشترك العديد من الشركات في مأزق الاستيراد. حيث تكافح مصر مع أزمة العملات الأجنبية. أدت الأسابيع الثلاثة الأولى من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير/ شباط إلى خروج 20 مليار دولار من التدفقات الخارجة من أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان. حيث هرع مستثمرو المحافظ الأجنبية إلى الملاذات الآمنة.
وأضاف: على الرغم من الودائع البالغة 13 مليار دولار من الإمارات والسعودية وقطر، و3.3 مليار دولار أخرى في مبيعات الأصول إلى الإمارات في عام 2022، ظلت العملة الأجنبية في حالة نقص شديد في المعروض من الدولة المعتمدة على الاستيراد.
قبل أسبوع، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن البنوك ستؤمن العملة الأجنبية اللازمة لتصفية الواردات المتراكمة في غضون أربعة أيام، دون الخوض في التفاصيل.
ووفقًا لمصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، لا تزال هناك بضائع بقيمة 9.5 مليار دولار محتجزة في موانئ الدولة.
أوضح التقرير أن التأثير التضخمي لحرب أوكرانيا على أسعار السلع الأساسية مثل القمح -مصر هي أكبر مستورد للحبوب في العالم- أدى إلى زيادة الضغوط على موارد العملة الأجنبية في البلاد، مما أجبر البنك المركزي المصري على خفض قيمة الجنيه في مارس/ أذار، وأكتوبر/ تشرين الأول. وبلغ معدل التضخم في نوفمبر/ تشرين الثاني 18.7%، وهو أعلى معدل له في خمس سنوات.
وأشار إلى أنه “للمرة الرابعة خلال ست سنوات، اضطرت مصر إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، الذي وافق الشهر الماضي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات. يكمن جوهر الاتفاقية في التزام القاهرة بالانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، تحدد فيه قوى السوق قيمة العملة. وهو أمر طالما قاومته الحكومات المصرية”.
محاولة للحفاظ على الدولار
في محاولة للحفاظ على العملة الأجنبية، وضع البنك المركزي قيودًا على الواردات في مارس/ أذار. لكن، أدى اشتراط استخدام خطابات الاعتماد إلى إبطاء العملية، وتسبب في تراكم الطلبات غير المستوفاة على الدولارات. كما أعطت خطابات الاعتماد الأولوية للوصول، ووضع السلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية على رأس القائمة.
لذلك، ألغى البنك المركزي المصري مطلب استخدام خطابات الاعتماد في 29 ديسمبر/ كانون الثاني. قبلها، رفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس في 22 ديسمبر/ كانون الأول، مما رفع سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 16.2%.
وأكد التقرير أن “الارتفاع تجاوز توقعات المحللين، وعكس القلق المتزايد بشأن التضخم وهبوط الجنيه”. وفقا لشركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس، ومقرها لندن.
تلفت فايننشال تايمز كذلك إلى أن “الأعمال التجارية شهدت الكثير من الأضرار، من مزارع الدواجن إلى مصنعي السيارات بشدة في بلد يستورد معظم أغذيته والعديد من المدخلات لصناعاته”.
وأضافت: بينما يفكر صانعو السياسات في وقت وكيفية الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، حيث لا يدعم البنك المركزي قيمة الجنيه، يشكو رواد الأعمال من عدم وجود رؤية واضحة لهم بالنسبة للمستقبل.
ينقل التقرير عن رئيس شركة تعمل في مجال تربية الدواجن قوله: “نحن نعمل يوما بعد يوم”. واشتكى من أن شحنات الحبوب، وخاصة فول الصويا والذرة المستخدمة في العلف، عالقة في الموانئ بسبب نقص الدولار.
وأضاف: كل يوم علينا أن نجد علفًا، والذي ينفد أحيانًا، ولا تتغذى الطيور.”
وتابع بالقول إن الأعمال التجارية الزراعية اضطرت إلى “إخلاء” بعض القطاعات، عن طريق بيع الطيور بخسارة، قبل أن يتم إرسالها -عادة- إلى السوق “السعر أقل بكثير من التكلفة ونعلم أن بعض منافسينا اضطروا لقتل الكتاكيت”.
وأكد أن الانخفاض “الكبير” في المعروض من الدجاج المباع للحوم أدى إلى زيادة الأسعار بأكثر من 50 %.
اقرأ أيضا: من الأسمدة والبنوك إلى سيناكولا.. 2022 عام اقتناص الخليج للشركات المصرية
قلق متنامي
ينقل التقرير عن محمد أبو باشا، رئيس قسم تحليل الاقتصاد الكلي في البنك الاستثماري مجموعة هيرمس المالية/ EFG-Hermes، قوله إن التحول إلى سعر صرف مرن “لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها”.
وأكد أن السلطات “بحاجة إلى بناء احتياطي من العملة الأجنبية أولاً بشكل مثالي للمساعدة ومسح تراكم الطلب قبل الانتقال إلى سعر الصرف”.
وأوضح فاروق سوسة، الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس، الخيارات الصعبة التي تواجه القاهرة في سعيها لتكوين سيولة للتعامل مع الطلب على الدولار في المدى القريب.
قال: يمكن للبنك المركزي تصفية السوق، من خلال الاستمرار في رفع أسعار الفائدة، وتعويم العملة، وتقييد المعروض النقدي. لكن التداعيات على الأسعار والنمو تنطوي على مشاكل”.
وتابع: الخيار المفضل للسلطات هو انتظار تدفقات من القطريين والإماراتيين والسعوديين لشراء أصول في مصر، لكن هذا غير مؤكد أيضًا.
ولفت التقرير إلى أنه نظرًا لأن صانعي السياسات يفكرون في الخيارات، فإن التوقعات بالنسبة للعديد من الشركات غير مؤكدة.
حكى أحد كبار المديرين في شركة مكونات سيارات متعددة الجنسيات للصحيفة البريطانية إن شركته كانت أفضل حالًا من معظم الشركات لأنها كانت أيضًا مُصدِّرة، مما أتاح لها الوصول إلى العملات الأجنبية “لكن هذه الاحتياطيات كانت تستنفد. ولم تكن الشركة متأكدة مما إذا كانت ستقبل الطلبات الجديدة”.
وقال: لست متأكدًا من أنني سأكون قادرًا على مسح المدخلات المستوردة لطلب جديد، وسأضطر إلى دفع الآلاف في “رسوم الاحتفاظ”. بينما أنتظر الدولارات. إذا وافق موردي في الخارج على تأجيل الدفع ويمكنني إخراج البضائع من الميناء، فربما يرتفع الدولار بحلول الوقت الذي يتعين عليَّ الدفع فيه.
وأضاف: من المحتمل أيضًا أن تواجه الشركة المصنعة للسيارات التي أزودها هنا مشاكل. لأن توريد جزء مختلف قد فشل. لذلك، لا يوجد منتج نهائي. ونحن جميعًا نفشل.