بين قبضة الديون، وتعثر في توفير تمويلات ضرورية، يأتي تراجع تصنيف مصر الائتماني، بينما تراهن الحكومة على برامج طروحات الشركات، وتحسن عوائد السياحة، وتعافي القطاع الخاص في تحقيق نجاحات تحسن سجلها الاقتصادي.
بعد ثلاثة أسابيع على قرار مؤسسة “موديز” بوضع التصنيف الائتماني لمصر، والنظرة المستقبلية لاقتصادها تحت “المراجعة السلبية” لمدة ثلاثة أشهر.
خفضت وكالة “كابيتال إنتليجنس” للتصنيف الائتماني تصنيف ديون مصر المحلية طويلة الأجل بالعملتين المحلية، والأجنبية من “BB” إلى “B”.
تضع “كابيتال” التي يقع مقرها الرئيسي في نيودلهي بالهند، تصنيفات تبدأ من AAA، وهي أعلى درجة لقوة الوضع المالي، وتليها AA ثم A، وبعدها تهبط إلى درجة BBB ثم BB.
اما تصنيف “B”، فهو يعني وجود نقاط ضعف أساسية في الوضع المالي، والحاجة لدعم خارجي، وتليها الدرجة “C” التي تعني وضع مالي ضعيف جدًا، وأخيرًا “D” التي تعني التعثر.
عدّلت “كابيتال إنتليجنس التي تقدم تحليلات، وتصنيفات ائتمانية منذ عام 1982، تتعلق بالأسواق الناشئة النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري من “سلبية” إلى “مستقرة”، مع الإبقاء على تصنيف ديون مصر قصيرة الأجل عند درجة “B”.
ديون مع نقص التمويل
وبررت الوكالة قرارها بارتفاع احتياجات التمويل الخارجي لمصر، والمخاطر وعدم اليقين، إزاء كفايته وتوقيتات تدفقه.
من المقرر، أن تسدد الحكومة 1.6 مليار دولار، خلال الثلاثة أشهر المقبلة، وفي العام المقبل تسدد نحو 6.46 مليارات دولار، على نحو 36 شريحة، ما بين فوائد وأقساط تمويلات.
خلال العام 2025، تقل المبالغ واجبة السداد إلى 5.3 مليارات دولار، على أن تبلغ 2.7 ملياري دولار في 2026، وتبلغ فاتورة السداد 1.8 مليار دولار في 2027، فضلاً عن سداد 1.05 مليار دولار في 2028، ونحو 692 مليون دولار في 2029، ونحو 204 ملايين دولار في 2030، و201 مليون دولار في 2031.
خلال 2032، ستسدد مصر آخر جزء من قروض صندوق النقد الدولي بنحو 198 مليون دولار، بحسب صندوق النقد، هذا أن لم تقترض مصر مجددا، وهي السياسة التي ظلت مستمرة طوال عامين ماضيين؛ بهدف سداد أقساط وفوائد الديون.
زيادة في التكاليف
ويؤثر خفض التصنيف الائتماني على جدارة مصر الائتمانية، وجاذبيتها لاستقطاب أموال المستثمرين للاستثمار في أدوات الدين الحكومية “السندات وأذون الخزانة”، علاوة على كلفة التأمين على ديونها، وارتفاع الفائدة على الديون، نظرا لارتفاع المخاطر، ما يزيد من أعباء الفائدة على الدين الحكومي.
لكن “كابيتال إنتليجنس” التي لديها قائمة عملاء تضم أكثر من 300 بنك وشركة في 26 دولة، غيرت نظرتها المستقبلية لمصر إلى مستقرة، وأرجعت ذلك إلى، أن الديون الخارجية بوجه عام معتدلة عند 43% من الناتج الإجمالي، هذا بجانب احتمال الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي، والشركاء الدوليين” تقصد دول الخليج”.
موديز.. 3 أشهر لمراجعة التصنيف
قبل ثلاثة أسابيع، وضعت مؤسسة “موديز” التصنيف الائتماني السيادي لمصر “قيد المراجعة السلبية” لثلاثة أشهر، مرجعة ذلك إلى الضغوط التي تزيد على الاقتصاد، وضمنها بحسب الوكالة، احتمالية تخفيض جديد لقيمة الجنيه.
إذا اتخذ قرار التعويم، سيترتب على ذلك ارتفاع التضخم، وسعر الفائدة، وزيادة أعباء الاقتراض الحكومي.
لكن “موديز” قالت، إنها قد تُبقي على التصنيف الحالي لمصر، دون أي تعديل سلبي حال زيادة القدرة على جذب المزيد من التدفقات بالعملات الأجنبية، والإسراع ببرنامج التخارج من الأصول الحكومية، خلال الفترة المقبلة.
وكالات التصنيف الائتماني ترهن توقعاتها على بيع حصص بشركات حكومية لمستثمر استراتيجي، أو عبر البورصة بجانب مدى قدرتها على تغطية احتياجات التمويل، خلال العامين المقبلين، وتعزيز الاحتياطي من النقد الأجنبي، والحد من الاحتياج إلى الاقتراض الخارجي، باعتبارها عوامل تزيد ثقة المستثمرين والمؤسسات في قدرة الاقتصاد على التعامل مع الديون الخارجية.
ورحبت وزارة المالية المصرية، بتقييم “موديز” حينها باعتباره أقل وطأة من تقرير لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني الذي صدر في التوقيت ذاته إذ خفض تصنيف مصر درجة واحدة من “B+”، إلى “B”، مع تحويل نظرتها المستقبلية إلى سلبية، ما ينذر، بأنها قد تخفض التصنيف مجددًا.
تصنيف مصر، وفقا لفيتش حاليًا، عند الدرجة “B” التي تليها “B-”، وحال نزولها للأسفل، فستدخل إلى منطقة “c” وهي المخاطر المرتفعة جدًا.
أما حال رفعها فستنتقل إلى الدرجة “B+”، ما يعني مخاطر أقل، ويعني التصنيف “c”، وجود درجة مخاطر عالية في الديون القائمة المستحقة، ومخاطر مرتفعة أخرى على أي سندات يتم لإصدارها.
كما غيرت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الائتمانية، في إبريل الماضي نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، لكنها أبقت التصنيف الائتماني للأصول السيادية عند درجة BB.
بحسب الوكالة، فإن مخاطر تصنيف مصر نابعة من أن إجراءات السياسة التي تنفذها السلطات المصرية، قد لا تكون كافية لاستقرار سعر الصرف، وجذب تدفقات العملة الأجنبية اللازمة؛ لتلبية احتياجات التمويل الخارجية السيادية المرتفعة.
الوفاء بالالتزامات.. مربط الفرس في تصنيف مصر
حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية، ترى أن تقارير التصنيف الائتماني تبني رؤيتها وفق توقعات مستقبلية، تتعلق بملف الديون، وأزمة العملة.
وهذه المشكلات قابلة للحل مع دخول مصر لتكتلات اقتصادية كبيرة مثل، “بريكس” والتبادل بين العملات التجارية بلادها، أضافت، أن بوادر تحسن كبيرة في الاقتصاد خلال الشهور الأخيرة ستغير توجهات وكالات التصنيف الائتماني، وحتى صندوق النقد الدولي، الذي أجل موعد الزيارة المقررة، منذ مارس الماضي؛ لمراجعة ما تم تنفيذه من البرنامج الإصلاحي.
ويري وزير المالية، محمد معيط، أن الحكومة تعاملت بشكل متوازن مع التحديات على الساحتين العالمية والداخلية، من ارتفاع في معدلات التضخم، وأسعار الفائدة، وانخفاض لقيمة العملة المحلية بأكثر من ٥٠٪ أمام الدولار.
كما حققت الحكومة فائض أولي ١,٦٣٪ من الناتج المحلي مقارنة بفائض أولي ١,٣٪ من الناتج المحلي في العام المالي ٢٠٢١/ ٢٠٢٢، وبلغ العجز الكلي للموازنة ٦٪ من الناتج المحلي مقارنة بـ ٦,١٪ خلال العام المالي ٢٠٢١/ ٢٠٢٢.
تشير رمسيس إلى تحسن إيرادات العملة الصعبة، خاصة بقطاع السياحة، والعوائد الدولارية الجيدة من بيع الأصول، وتقليص ملكية الدولة، والخطوات السابقة من شأنها؛ إرجاء أي تخفيض لقيمة العملة.
ويؤكد محمد معيط، وزير المالية، على أن الإصلاحات الهيكلية مهمة، ومحفزة للاستثمار وداعمة؛ لتحسين بيئة الأعمال، وتمكين القطاع الخاص؛ لتعزيز دوره، وزيادة مساهماته في النمو الاقتصادي.
وهذا سيساهم بجانب تنفيذ صفقات تخارج الدولة بقيمة ١,٩ مليار دولار، ضمن برنامج “الطروحات” على زيادة تدفقات النقد الأجنبي، ويوفر جزءًا من التمويل الأجنبي المطلوب؛ لتغطية احتياجات الاقتصاد المصري.
وتشير رمسيس إلى وجود مؤسسات دولية لديها استعداد؛ لتمويل المشروعات المصرية حاليا مثل، البنك الدولي الذي أكد توفير دعم لمصر في مشروعات مستقبلية، تتعلق بالتنمية المستدامة والهيدروجين الأخضر، وكلها عناصر ستنعكس على التصنيف الائتماني لمصر في المستقبل.