تلقي الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل بظلال ثقيلة على الاقتصاد المصري، الذي بدأ في التضرر على عدة أصعدة، بداية من انقطاع إمدادات الغاز الواردة من الحقول البحرية الإسرائيلية، مرورًا بارتفاع أسعار النفط المستورد من الخارج ونهاية بالإيرادات السياحية، مع تأجيل افتتاح المتحف الكبير الذي كان مقررًا في الثالث من يوليو المقبل.
كان قطاع الطاقة أكثر القطاعات المصرية تأثرا بالحرب، مع توقف عمليات ضخ الغاز عقب إغلاق حقل “ليفياثان” البحري في إسرائيل بدعوى إمكانية استهدافه من قبل الصواريخ الإيرانية، وهو حقل أنتجت إسرائيل منه 11.33 مليار متر مكعب في 2024.
يقول حسنين مالك، الخبير الاستراتيجي في شركة تيليمر بدبي، إنه ليس من المستغرب مع استمرار الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، أن تتضرر الأسواق الإقليمية أيضًا، بما في ذلك مصر، التي شهدت انقطاع إمدادات الغاز من إسرائيل.
واضطرت وزارة البترول والثروة المعدنية لتفعيل خطة طوارئ معدة مسبقًا؛ لتحديد أولويات توزيع الغاز الطبيعي وزيادة استهلاك محطات الكهرباء من السولار والمازوت إلى أقصى حد، لكن ذلك يتضمن ضغطا اقتصاديا مع ارتفاع أسعار النفط أيضًا.
ارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت بنحو 7% بعد الرد الإيراني على هجمات إسرائيل ليصل إلى 74.23 دولارًا أمريكيًا للبرميل، مسجلاً أكبر تحركات يومية له منذ عام 2022، وقد ترتفع الأسعار أكثر حال اتساع نطاق الصراع، واستمرار استهداف منشآت النفط الإيرانية.
يضيف مالك أن ارتفاع أسعار النفط يعكس خطر توقف الصادرات الإيرانية، فضلاً عن إمكانية تعطل مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20% من النفط العالمي.
وقال بنك “جي بي مورجان تشيس، إن أسعار النفط قد ترتفع إلى 130 دولارا للبرميل، إذا تصاعد النزاع في المنطقة، كما أكدت شركة Oil Brokerage، أن التهديد باندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط يُلقي بظلاله المباشرة على تكاليف الشحن، ما يعني أن الانعكاسات ستكون مضاعفة.
التأثير على السياحة يتوقف على المدى الزمني
بحسب محللين، فإن التأثير على قطاع السياحة مرتبط بالمدى الزمني للصراع، فصحيح أن إيران وإسرائيل لا يمثلان رقما كبيرا في معادلة السياحة الوافدة لمصر، لكن مدناً مثل طابا ونويبع قد تشهد تراجعاً في الإشغالات الفندقية، خاصة أن تلك المدن متضررة بالفعل؛ بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
كان من أول التأثيرات المباشرة، تأجيل الحكومة الافتتاح الذي طال انتظاره للمتحف المصري الكبير، الذي تبلغ تكلفته مليار دولار، والذي كان قيد التنفيذ لأكثر من عقدين، وتم تأجيله أكثر من مرة؛ بسبب أحداث خارجة عن إرادة القاهرة من بينها كورونا.
تم إرجاء حفل الافتتاح، الذي كان من المقرر أن يبدأ رسميًا في 3 يوليو، إلى الربع الأخير من العام، ما يحول دون حصول مصر على مصدر نقدي حيوي لقطاع السياحة الذي يمثل مصدرا أساسيا للعملة الصعبة بجانب تحويلات المغتربين والتصدير وقناة السويس.
كان من المتوقع أن يجذب المتحف المصري الكبير، ما يصل إلى 5 ملايين زائر سنويًا، مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في تدفقات العملات الأجنبية وخلق فرص العمل، بجانب تأجيل تحقيق مستهدفات الدولة في جذب 30 مليون سائح بحلول 2030.
بحسب البيانات الرسمية، استقبلت مصر 15.7 مليون سائح خلال عام 2024، وهو أعلى رقمٍ تحققه البلاد في تاريخها. وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إنه لولا الاضطرابات الإقليمية التي تحيط بمصر لارتفع هذا الرقم إلى 18 مليون سائح.
تداعيات خطيرة على العملة الصعبة
تعرض قطاع الصناعة إلى ضربة أيضًا مع انخفاض شحنات الغاز الطبيعي من إسرائيل، وإعلان الحكومة عزمها وقف إمدادات الغاز الطبيعي للصناعات كثيفة الاستهلاك، مثل الأسمدة والحديد والصلب، وهي قطاعات تصديرية مهمة، ومصدر للعملة الصعبة.
وأوقفت شركتا “أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية” و”موبكو”، اللتان تعتبران من أكبر الشركات المنتجة للأسمدة بمصر، الإنتاج الأسبوع الحالي بدعوى بدء تنفيذ خطة صيانة مكثفة لمصانعها لحين تحسن ظروف التشغيل، وعودة إمدادات الغاز الطبيعي للمصانع بنسبة كاملة.
كما تأتي الحرب في ظل استمرار الأزمات في المنطقة التي تسببت في خسائر لإيرادات قناة السويس، بعد تأثر حركة النقل البحري الدولي بهجمات الحوثيين في اليمن على السفن المتجهة إلى المواني الإسرائيلية أو المرتبطة بدولة الاحتلال.
تسببت التوترات في البحر الأحمر في تكبد الاقتصاد المصري أكثر من 6 مليارات دولار من عائدات القناة التي تمثل موردا مهما للعملة الصعبة في مصر، ووفرت للاقتصاد المصري 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022- 2023.
كلما طال أمد الصراع في المنطقة، زادت فرص تغيير شركات الشحن مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما يمكن أن يعزز توجها عالميا نحو فتح ممرات بحرية جديدة؛ بهدف الحد من أي مخاطر، قد تتعرض لها الملاحة في قناة السويس.
مخاوف من ارتفاع التضخم
تضع الحرب “الإسرائيلية ـ الإيرانية” سعر الصرف والتضخم والسياسة النقدية تحت الضغط، وكذلك البورصة تحت ضغط كبير؛ بسبب تخوف المستثمرين الأجانب من الاستثمار بالمنطقة كلها، وليس مصر فقط.
تقول نعمت شكري، من شركة إتش سي للأوراق المالية، إن التصعيدات قد تؤدي إلى اضطرابات في سلسلة التوريد، ما قد يؤثر سلبًا على التضخم، وربما يُعطّل وتيرة دورة التيسير النقدي في مصر (خفض البنك المركزي للفائدة من أجل تنشيط الاقتراض والنمو الاقتصادي).
وتراجع الجنيه مقابل الدولار بأكثر من 1.7% في تداولات الاثنين مرتفعًا من مستويات 49.8 في تداولات الخميس الماضي إلى 50.87، حسب أعلى سعر للدولار بالبنوك المصرية، ما يضع عبئًا كبيرًا على الواردات المصرية.
من شأن ارتفاع الدولار أمام الجنيه، أن يزيد من أسعار السلع المستوردة من الخارج للشحنات الجديدة التي تصل بعد 3 أشهر (دورة الاعتماد المستندية لأي شحنات، يتم استيرادها) لكن في ظل ضعف الآليات الرقابية الحكومية على الأسواق يرفع التجار الأسعار على البضاعة الموجودة لديهم بشكل فوري.
وتراجعت مؤشرات البورصة المصرية، بشكل جماعي، في ختام تعاملات جلسة الأحد، وخسر رأس المال السوقي 93.353 مليار جنيه ليغلق عند مستوى 2.202.885 تريليون جنيه، وانخفض المؤشر الرئيسي لـ البورصة المصرية «إيجي إكس 30» بنسبة 4.6% ليغلق عند مستوى 31016 نقطة، وخسر مؤشر «إيجي إكس 30 محدد الأوزان» 4.65% ليغلق عند مستوى 38677 نقطة، ونزل مؤشر «إيجي إكس 30 للعائد الكلي» بنحو 4.61% ليغلق عند مستوى 13925 نقطة.
لكن البورصة استطاعت تقليص خسائرها أمس الاثنين، وربح رأس المال السوقي 10 مليارات جنيه ليغلق عند مستوى 2.212 تريليون جنيه، لتتراجع خسائره في يومين لـ 83.4 مليار جنيه، بفضل مشتريات مستثمرين مصريين، عملت على دعم السوق.
تضيف نعمت شكري، أن مصر قد تشهد بعض عمليات البيع المذعورة في سندات الخزانة والأسهم من قبل المستثمرين الأجانب كرد فعل أولي؛ بسبب تزايد المخاطر الجيو سياسية في المنطقة، وبالفعل كان الهبوط في البورصة؛ بسبب مبيعات المستثمرين الأجانب الذين يفضلون في أوقات الأزمات الخروج من أسواق الأسهم، والتوجه نحو الذهب.