يتعرض اقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي لخسائر اقتصادية في ظل الهجمات المتبادلة مع إيران، بداية من الخسائر الحربية المباشرة والبنية التحتية الإسرائيلية التي تم استهدافها، بجانب تضرر قطاعات السياحة والسفر والتصنيع.

بحسب ريم أميناح، المستشار المالي لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن الحرب تكلف البلاد ما يقرب من 725 مليون دولار يوميا للتكاليف العسكرية وحدها، أي أن تل أبيب خسرت فقط معدات حربية بقيمة 3.6 مليار دولار في الخمسة أيام الماضية.

تتضمن تلك التكاليف ساعات الطيران والذخائر التي بلغت تكلفتها 593 مليون دولار، وأُنفق باقي المبلغ على النفقات الدفاعية مثل، أنظمة اعتراض الصواريخ وتعبئة قوات الاحتياط، وهي تكاليف مباشرة فقط، ولا تتضمن التكاليف غير المباشرة كتضرر الناتج المحلي الإجمالي، والذي لا يمكن رصده حاليًا.

ووفقًا لـ “يديعوت أحرونوت”، فإن التكلفة اليومية لـوقود الطائرات والذخيرة المستخدمة في الحرب ضد إيران 300 مليون دولار يوميًا، ولا تتضمن تلك الخسائر الطائرات التي أسقطتها إيران التي تناهز وحدها قرابة الـ 600 مليون دولار.

خسائر قياسية لحروب إسرائيل

مجلة “الإيكونوميست”، قدرت التكلفة الإجمالية لحروب إسرائيل منذ 7 أكتوبر بنحو 85 مليار دولار، وهو رقم لا يشمل بعدُ الحرب الأخيرة مع إيران، فالخسائر اليومية للحرب الإسرائيلية في غزة، تكلف إسرائيل 275 مليون دولار يوميًا، أما إيران فثلاثة أضعاف ذلك الرقم.

كلفت حرب غزة دولة الاحتلال بالفعل أكثر من 250 مليار شيكل (67.5 مليار دولار) بنهاية عام 2024، ولا يشمل ذلك الرقم الخسائر التي تعرضت لها خلال العام الحالي.

تتضمن خسائر دولة الاحتلال في غزة العمليات العسكرية المباشرة، ونفقات الدعم المدني، وخسائر الإيرادات الناجمة عن الاضطرابات الاقتصادية وتعبئة أكثر من 300 ألف جندي احتياطي بتكلفة ما يقارب 27 مليون دولار يوميًا، بما في ذلك الأجور والخدمات اللوجستية والغذاء والمأوى.

لا يقارن حجم الخسائر الإسرائيلية في غزة بحجم الخسائر الحالية في ظل تدمير ميناء حيفا الذي يستقبل أكثر ما يقرب من 30 مليون طن من البضائع سنويًا، أكثر من أي ميناء آخر في إسرائيل، كما تم تجديد الكثير من أنظمة العمل به في عام 2019.

كما تتضمن الخسائر التكلفة التي ستتحملها حكومة الاحتلال لتعويض المنازل والسيارات التي تضررت، وإعادة تسكين قرابة 2000 شخص، تم إجلاؤهم من أماكن تم تدميرها، خاصة في مدن حيفا وتل أبيب، بجانب 1500 شخص، باتوا بلا مأوى.

تشمل الخسائر شلل النشاط الاقتصادي مع استمرار صفارات الإنذار في العمل على مدار فترات طويلة وهروب العمال للملاجئ، وترك أعمالهم، وفقدان الثقة في الأمن، خاصة بعد الهجمات التي شنتها إيران صباح الخميس التي طالت مبنى البورصة، ومستشفى عسكري ومبانٍ حساسة أخرى.

توقعات النمو الاقتصادي

حددت وزارة المالية الإسرائيلية سقفًا للعجز الكلي بالموازنة بنسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الحالية، أي ما يعادل حوالي 27.6 مليار دولار.

رغم أن ميزانية دولة الاحتلال تتضمن احتياطيًا للطوارئ، إلا أن معظمه استُخدم بالفعل خلال حرب غزة، ولا يُغطي تكاليف الصراع المستمر مع إيران، كما تضخمت ميزانية وزارة الحرب الإسرائيلية “الدفاع” بشكل كبير استجابةً للحروب من 60 مليار شيكل عام 2023، إذ .ارتفعت مخصصات الدفاع إلى 99 مليارًا عام 2024.

مُتوقع أن تصل أعباء الوزارة إلى 118 مليار شيكل (31 مليار دولار) عام 2025، أي ما يقرب من ضعف رقم ما قبل الحرب على قطاع غزة التي لا تزال مستمرة حتى الآن.

كما خفّضت وزارة المالية بدولة الاحتلال توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 من 4.3% إلى 3.6%، مع التباطؤ الاقتصادي الناجم عن تمديد خدمة الاحتياط وانخفاض إنتاجية المدنيين.

ودفع صندوق تعويضات مصلحة الضرائب الإسرائيلية أيضًا 2.4 مليار شيكل لتغطية الأضرار التي لحقت بممتلكات المدنيين بين يناير ومايو 2025، وبلغ إجمالي عمليات السحب 3 مليارات شيكل (ذلك قبل الحرب الأخيرة على إيران).

مع اقتراب الإنفاق الحربي 7% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، يُحذّر الخبراء، من أن الأعمال العسكرية ستُخلّف آثارًا اقتصادية طويلة الأمد، فالتحدي الذي يواجه زعماء إسرائيل هو تمويل الحروب المستمرة، دون تعطيل المستقبل المالي للبلاد.

نقص مخزونات جيش الاحتلال

بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن إسرائيل تواجه نقصا في الصواريخ الاعتراضية الدفاعية، منذ بدء الحرب على إيران، وذلك بعدما استخدم الجيش الإسرائيلي كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة والمعدات، وخاصة الصواريخ الذكية باهظة الثمن وصواريخ القبة الحديدية.

يحتاج جيش الاحتلال، إلى تعويض النقص في المخزون، مما سيرفع أيضًا النفقات العسكرية بعد الحرب، ما يجعل كل هذه العوامل التكلفة الاقتصادية العسكرية المباشرة وغير المباشرة للحرب مرتفعة للغاية وغير مسبوقة في تاريخ الحروب الإسرائيلية.

خسائر الناتج الاقتصادي للعمال الذين سُحبوا من القوى العاملة المدنية في تكاليف غير مباشرة تُقدر بنحو 100 مليون شيكل يوميًا، ورغم أن هذه الأموال لا تُدرج في العجز المالي الرسمي؛ بسبب أساليب المحاسبة المثيرة للجدل في إسرائيل، إلا أنها تُحتسب كدين عام وتساهم في العبء الاقتصادي الأوسع.

حذر شاحار ترجمان، رئيس اتحاد غرف التجارة الإسرائيلية، من أن إغلاق الشركات يؤدي إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال، وردت الحكومة الإسرائيلية، بأنها التقت بقادة الأعمال لإيجاد حلول مشتركة، وسلط الضوء على ضرورة توفير الظروف التي تسمح للاقتصاد بمواصلة العمل حتى في حالات الطوارئ.

لكن تواجه تلك المخططات أزمة ثقة مستقبلية لدى العمالة الأجنبية في إسرائيل خاصة في ظل العنصرية الشديدة، إذ تم رفض دخول عمال من جنسيات مختلفة الملاجئ، وجعلها قاصرة على اليهود فقط، كما قررت الكثير من الدول سحب مواطنيها، علاوة على منع عمال غزة قبل عام ونصف من دخول دولة الاحتلال، وكلها مؤشرات على أزمة عمالة مستقبلية.

ارتباك واسع في الحسابات الاقتصادية والسياسية

الخبير الاقتصادي د. نائل موسى، أكد أن دخول إيران المباشر إلى ساحة المواجهة، واستهدافها العمق الإسرائيلي، أحدث ارتباكًا واسعًا في الحسابات الاقتصادية والسياسية داخل (تل أبيب)، إذ مثل ضربة حقيقية لثقة السوق والمؤسسات المالية.

وسجلت السوق سحبا لرؤوس أموال أجنبية، تُقدّر بمئات الملايين من الشواكل خلال 48 ساعة فقط من الحرب مع إيران، ما أحدث نزيفًا في رأس المال الاستثماري، ورفع من مستويات القلق لدى صناديق الاستثمار العالمية.  

وأضاف موسى، أن إعلان حالة الطوارئ وإجبار المستوطنين على ملازمة الملاجئ أدى إلى تعطّل آلاف المنشآت الإنتاجية والخدمية، وتوقف العمل في أكثر من 50% من المصانع الواقعة في نطاق التهديدات الجوية.

 كما أغلقت حكومة الاحتلال مطاري “بن جوريون” و”رامون”، وتم تعليق حركة السكك الحديدية وخدمات النقل العام، ما سبّب خللًا كبيرًا في سلاسل التوريد الداخلية والدولية.

كما تم إلغاء ما لا يقل عن 40 ألف حجز سياحي داخلي وخارجي، ووقف عشرات شركات الطيران رحلاتها من وإلى دولة الاحتلال، ما كبّد القطاع خسائر تقدّر بنحو 250 مليون دولار في غضون أيام قليلة فقط، كما ارتفعت كلفة التأمين على السفر بشكل لافت، ما عمّق من الأزمة. 

ويقول الباحث الاقتصادي هيثم دراغمة، إن الأزمة الحالية قد تدفع وكالات التصنيف الدولية إلى مراجعة التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال، خصوصًا في ظل غياب خطة اقتصادية واضحة لتغطية نفقات الحرب التي تجاوزت 30 مليار دولار منذ أكتوبر الماضي.

 وأكد دراغمة، أن الدين العام الإسرائيلي آخذ في التوسع، وقد يبلغ 75% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية العام الجاري، ما سيجعل من الحصول على تمويل دولي مهمة مكلفة للغاية، كما رجّح أن تلجأ حكومة دولة الاحتلال إلى فرض ضرائب جديدة على الدخل والسلع الاستهلاكية، ما سيزيد الضغط على المستوطنين والقطاع الخاص.