تواصل مدونة البنك الدولي نشر سلسلة تقاريرها عن تجاوز جائحة كورونا عبر مجموعة من الآليات والخطوات الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر تقرير البنك أن الحد من الفساد أحد الأزمات التي يجب الأخذ بها في الاعتبار، كما قال إن جائحة كورونا أدت إلى اندلاع أزمة صحية واقتصادية وتعليمية عالمية من الممكن أن تؤدي أيضًا إلى أزمة رابعة لم تلق الاهتمام الذي تستحقه إلى الآن.
وأضاف التقرير: “مثلما أبرزت الجائحة العالمية مواطن الضعف في أنظمتنا الصحية والاقتصادية والتعليمية، سلطت أيضا الضوء على الفجوات والأخطاء وأوجه الضعف في إدارة المالية العامة”.
كذلك أوضحت عناوين الصحف ووسائل الإعلام الرئيسية حول العالم المصاعب التي تواجهها الحكومات لتحقيق التوازن بين حاجتين متعارضتين في إطار جهودها للتصدي للجائحة وهما السرعة والنزاهة.
كما تشير التقارير إلى إبرام الحكومة عقود سرية للحصول على لقاحات كورونا، وإلى تضخم أسعار المستلزمات. بالإضافة إلى الفساد في إنفاق الأموال المخصصة لأغراض الإغاثة.
إخفاقات الحكومات تضعف الأوضاع الاقتصادية
كما لفت التقرير إلى أن المشكلات المتعلقة بضعف الحوكمة وسوء إدارة الشؤون المالية العامة واستخدام المال العام، بالإضافة إلى أن سوء خدمات المنافع العامة التي مكن وصفها بالمتدهورة.
وقال التقرير إن الجائحة أضفت إلحاحًا جديدًا، خاصة أن إخفاقات الحوكمة، تقوّض جهود الاستجابة للجائحة بثلاث طرق رئيسية لا يمكن تحملها خلال الوقت الحالي.
والثلاث طرق هي: أن يؤدي تضخم الأسعار وإساءة استخدام التمويل، إلى تقليص الموارد الشحيحة المتاحة للنفقات الملحة والمشروعة.
إلى جانب أن المعدات دون المستوى المطلوب أو أوجه التقصير في تقديم الخدمات تشكل خطرًا على السلامة العامة، والأهم من ذلك أن سوء إدارة الأموال العامة يضعف ثقة الجمهور في وقت لا تستطيع فيه الحكومات تحمل تبعات تآكل الثقة.
على سبيل المثال يزيد انعدام الثقة في الحكومة احتمال أن ترفض أعداد كبيرة من الناس استخدام اللقاح، ما يهدد فعاليته. ونحن نرى بالفعل علامات على أن الأمر كذلك.
خطوات تحسين النظم الإدارية
ولفت التقرير إلى ضرورة اتخاذ خطوات لتحسين نظم الإدارة والحوكمة والتصدي لتزايد انعدام الثقة في الحكومة، ليس فقط لأنه أمر بالغ الأهمية لنجاح الاستجابة للجائحة، لكن أيضًا لأن ثقة الجمهور هي جدار الحماية الفاصل بين التماسك الاجتماعي والتفكك.
وتابع التقرير: “ثمة أدوات تقوم على الدلائل والشواهد يمكن للمؤسسات الدولية والحكومات والمجتمع المدني استخدامها للمساعدة على تعزيز الثقة. وتقوية إدارتها للمال العام، ومن ثم تحسين تصديها للأزمة الحالية، وتتمثل في:
رفع مستوى الشفافية
يشير التقرير إلى أن حكومات كثيرة لم تنفذ حتى الآن إصلاحات معقولة في مجال الشفافية مثل نشر جميع الموازنات والعقود على شبكة الإنترنت رغم أنه أمر سهل لكنه تأخر كثيرًا.
وتصدر الحكومات بالفعل بيانات مهمة تستخدمها لأغراض داخلية أو لأغراض إبلاغ الجهات المانحة، لكنها لا تفصح عنها للجمهور العام، وهذه مشكلة سياسية وليست فنّية.
وعملت شراكة التعاقد المفتوح مع عشرات البلدان، بما في ذلك باراجواي وأوكرانيا، على إجراء إصلاحات تلزم الحكومات بنشر بيانات المناقصات. بينما طالب التقرير البلدان الأخرى أن تحذوا حذوهما.
المساءلة من خلال المجتمع المدني
أظهرت بحوث أجرتها مؤخرًا منظمة الشفافية الدولية أن إعلاء مبدأ الشفافية في حد ذاته سيكون عديم الجدوى، إذا لم يقترن باتخاذ تدابير مساءلة صارمة. كما يجب دعم جهود المجتمع المدني ووسائل الإعلام لمراقبة الإنفاق الحكومي وعملية تقديم الخدمات الحكومية.
ويشير التقرير إلى امتلاك منظمات المجتمع المدني النماذج والأدوات اللازمة للوصول إلى المواطنين ومساءلة الحكومات. على سبيل المثال، تساعد شراكة الموازنة الدولية السكان في 200 منطقة عشوائية في جنوب أفريقيا على الإبلاغ عن مستوى تقديم الخدمات العامة. من خلال استبيان منتظم يتم تقديمه عبر الهواتف المحمولة.
تسخير التكنولوجيا في الحد من الفساد
كما اعتبر التقرير أن للتكنولوجيا قدرة أن تساعد في الحد من الفساد، وبالإضافة إلى أنظمة المناقصات الإلكترونية والموازنات الرقمية. فإن استخدام التكنولوجيا لإدارة التحويلات النقدية المشروطة يمكن أن يكفل وصول الموارد المالية الحيوية إلى الفئات غير القادرة.
في الهند على سبيل المثال، أدى نظام دفع بيومتري إلى خفض نسبة الفساد وإلى تحسين تنفيذ برامج المساعدات الاجتماعية الحكومية.
توظيف الأدوات الصحيحة في الحكومة
الأجهزة المركزية للمحاسبة هي هيئات تلعب دورًا رائدًا في تحقيق المساءلة عن المال العام، وتؤدي دورًا دستوريًا في هذا الصدد. غير أنها غالبًا ما تواجه مصاعب وتحديات للحفاظ على استقلاليتها والاضطلاع برسالتها وتأمين مواردها الاقتصادية. ومن الضروري أن نبحث عن فرص لتقوية هذه المؤسسات الرئيسية، وفق التقرير.
بحث مساعدات المؤسسات الدولية
يمكن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية، بحسب التقرير، مد يد العون والمساعدة.
من جهته أكد مدير قطاع الممارسات العالمية للحوكمة بالبنك الدولي إد أولوو أوكيري أن الاستجابة للجائحة ستؤدي على الأرجح إلى زيادة مخاطر الفساد. ولمساعدة البلدان في الوقوف في وجه هذه المخاطر. ووضع البنك موجزًا للسياسات، بعنوان “ضمان النزاهة في استجابة الحكومة لمكافحة جائحة كورونا”.
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، قالت في إطار إسداء النصح للحكومات: “في هذا الوقت العصيب. إننا ندعو الحكومات إلى إنفاق كل ما تدعو إليه الضرورة. لكن عليكم الإنفاق بحكمة والاحتفاظ بالمستندات والإيصالات الداعمة”.
ويختم التقرير: “لكننا نعرف أن الاحتفاظ بالمستندات والإيصالات وحده لن يكون كافيًا. من المهم أن يكون بمقدور الجمهور والجهات الرقابية الاطلاع عليها. فهذا هو ما يهيئ البيئة اللازمة لتحقيق مبدأ المساءلة والمحاسبة”.