كتب– عاطف سعد:
يعد الصراع على كعكة تصنيع وتصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المعروفة بـ”الشرائح الخضراء”، بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ذو تأثير كبير على استثمارات عمالقة الاقتصاد العالمي والإلكترونيات. حيث أدت التوترات الأخيرة في العلاقات الأمريكية الصينية إلى فقدان سهم شركة “نفيديا” الأمريكية والرائدة في مجال صناعة الشرائح الإلكترونية، 6.6% من قيمته السوقية. عقب إعلان الشركة تلقيها طلب مباشر من الحكومة الأمريكية، بحظر تصدير كافة بطاقاتها الرسومية من عائلتي A100 وH100. بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن المنتجات التي تستخدم في أي أنشطة عسكرية أو يتم استخدامها من جانب وكالة عسكرية إلى الصين. بما فيها هونج كونج وروسيا، بحسب ما أورد موقع “أكسيوس” الأمريكي.
المخاوف الأمريكية من أي تطور صيني والسعي لتحجيمه له ما يبرره من وجهة نظر الغرب، خاصة بعد ما اتضح الدور الصيني القوي سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا في دعم روسيا ومساندة حربها في أوكرانيا التي انطلقت في فبراير/شباط الماضي.
اقرأ أيضا.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي الإبداع؟
ويشير تقرير صادر عن جامعة هارفارد الأمريكية إلى تقدم الصين تكنولوجيا في عدة مجالات حيوية وتخطيها الريادة الأمريكية التقليدية. ففي أكتوبر 2021، أعلن بيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أن الوكالة ستنشئ “مركزين مهمين” رئيسيين جديدين. يركز أولهما على الصين والآخر على التكنولوجيات المتقدمة. ما يبرهن على مخاوف الأمريكان الكبيرة من النفوذ الصيني الذي باتت يهدد هيمنة “القطب الأوحد”.
وفي سياق الصراع الأمريكي الصيني، قالت شركة “نفيديا كورب” المصممة للرقاقات الإلكترونية إن مسئولين أمريكيين طالبوها بالتوقف عن تصدير شريحتين من أعلى شرائح الحوسبة لأعمال الذكاء الاصطناعي إلى الصين. الخطوة يمكن أن تشل قدرة الشركات الصينية على القيام بأعمال متقدمة مثل التعرف على الصور وتعطيلها وأنشطة تكنولوجية أخرى بالغة التطور.
وأضافت الشركة أن الحظر الذي يؤثر على رقائق إيه 100 (A100) وإتش 100 (H100) المصممة لتسريع مهام التعلم الآلي، قد يتداخل مع استكمال تطوير الشريحة الرئيسة “إتش 100” هذا العام.
نمو كبير
يشير إعلان الشركة الأمريكية “أي نفيديا كورب “إلى تصعيد كبير للحملة الأمريكية على القدرات التكنولوجية للصين ويلقي الضوء من زاوية أخرى على تجليات تصاعد التوترات حول مصير تايوان التي تزايدت الأزمة بينها وبين الصين. وسط تحركات وترقب دولي لعملية عسكرية قد تزيد الطين بلة وتلحق مزيدا من الخسائر بالاقتصاد العالمي إذا اشتعلت الأمور. حيث يتم تصنيع رقائق لشركة نفيديا وتقريبا كل شركات الرقائق الرئيسة الأخرى. كما يعزز ذلك التوجه أن وزارة التجارة الأمريكية لم تحدد المعايير الجديدة التي وضعتها لرقائق الذكاء الاصطناعي التي لم يعد من الممكن شحنها إلى الصين. لكن الشركة قالت إنها ستراجع سياساتها وممارساتها المتعلقة بالصين بداعي “إبعاد التقنيات المتقدمة عن الوصول للأيدي الخطأ”.
يسلط تصاعد التوترات الأمريكية الصينية بشأن عدم تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، الضوء من ناحية أخرى، على طلب رئيسة تايوان تساي إنج وين، بإنتاج “رقاقات ديمقراطية” مع أمريكا “لحماية مصالح شركائنا الديمقراطيين وتحقيق رخاء أكبر”، وفقًا لما ذكرته إحدى الصحف.
وقالت تساي خلال اجتماع في العاصمة التايوانية تايبيه: “في مواجهة التوسع الاستبدادي وتحديات حقبة ما بعد الوباء، تسعى تايوان إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات وغيرها من الصناعات عالية التقنية.
وتعد أعمال مركز بيانات “نفيديا”، التي تشمل مبيعات “إيه 100” و”إتش 100″، واحدة من أسرع الأجزاء نموًا في الشركة، حيث سجلت مبيعات بلغت 3.8 مليار دولار في الربع المنتهي في يونيو الماضي، بزيادة سنوية قدرها 61 %.
كما تعد “إتش 100” هي شريحة الذكاء الاصطناعي القادمة للمؤسسات من “نفيديا” والتي كان من المتوقع في السابق شحنها بحلول نهاية العام الجاري، جزء من تطويرها يحدث في الصين، أما “إيه 100” فهو نموذج قديم يجري شحنه منذ ثلاث سنوات، وكلاهما معالجات رسومات يمكن استخدامها للحوسبة الفائقة والذكاء الاصطناعي.
تحركات صينية
يقول الباحث الاقتصادي بمركز فاروس للدراسات الاستراتيجية، حسام عيد: “للصراع الأمريكي الصيني عدة جوانب، خاصة وأن بكين في إطار خطتها الصين 2035 باتت لا تدخر جهدا في التطوير والتقدم في سباق الذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى كافة جوانب القطاع. كما تفيد وثائق رسمية بأن بكين والحكومات الإقليمية تقدم رواتب سنوية تبلغ مليون يوان (نحو 155 ألف دولار)، لرؤساء شركات رائدة في تطوير المعايير الدولية، في “منظمة المعايير الدولية ISO” وعدد من الهيئات الأخرى.
وأضاف حسام عيد لـ”مصر 360″ أن بروز الصين يتزامن في مجال التوحيد القياسي مع جمود لدى الدول الغربية. وفي “منظمة المعايير الدولية” والمجموعات المشابهة، يشغل مندوبون صينيون نحو ضعف مناصب الأمانة العامة، مقارنة بالعقد الماضي. فيما تتيح هذه المناصب تأثيرا واضحا في الاقتراحات والمناقشات والأولويات. علما بأن المناصب التي يشغلها الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، تبقى ثابتة نسبيا.
تطبيقات الهواتف الذكية
تعتبر معالجات الرسومات مثل النوع الذي تصنعه “نفيديا” و”إيه إم دي” مناسب تماما لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تشمل تطوير الأسلحة والتعرف على الوجه والاستخدامات العسكرية الأخرى.
وترى الباحثة الاقتصادية ولاء عدلان أنه من دون شرائح أمريكية من شركات مثل نفيديا وإيه إم دي، لن تتمكن الشركات الصينية من تصنيع التكنولوجيا المستخدمة في التعرف على الصور والكلام بشكل فعّال. خاصة أن التعرف على الصور ومعالجة اللغة أمر شائع في تطبيقات المستهلك مثل الهواتف الذكية التي يمكنها الإجابة على الاستفسارات ووضع علامات على الصور.
وقالت ولاء عدلان لـ”مصر 360″ إن لهذه التكنولوجيا استخدامات عسكرية مثل البحث في صور الأقمار الاصطناعية عن أسلحة أو قواعد وتصفية الاتصالات الرقمية لأغراض جمع المعلومات الاستخباراتية. الأمر الذي يعزز المخاوف الأمريكية من تهديدات صينية عسكرية مستقبلا. كما أنه من الواضح أن القلق العسكري لدى واشنطن من الصين يتزايد وسيطغى في أي مجال تتفوق فيه بكين حتى لو تسبب في ضرر أو خسارة اقتصادية لشركات أمريكية.
إجراءات وتوقعات
المعاناة التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي في الأشهر الأخيرة بسبب اندلاع واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتبعات جائحة كورونا التي تجاوزت العامين، ساهمت في أن تقلل واردات الصين أو روسيا من رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية. إذ لا تزال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقيد مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي عالية الأداء للخوادم “إيه 100″ و”إتش 100”. خاصة إلى كل من بكين وموسكو. كذلك لا تزال مبيعات هذين النوعين مقيدة في السوقين، برغم أنه لا يزال بإمكان الشركة “نفيديا” تطوير “إتش 100” في الصين.
وتتوقع الشركة أن تتراجع عائداتها بمقدار 400 مليون دولار في الربع الحالي من قيود التصدير الجديدة. كما تتوقع “نفيديا” أيضا أن تبلغ مبيعات الربع الثالث 5.90 مليار دولار، بانخفاض 17% عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ورغم الخسائر المتوقعة للشركة الأمريكية ومعاناة أكبر اقتصادات العالم في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتبعات جائحة كورونا، تعمل إدارة الرئيس بايدن على الحد من الصادرات الأمريكية من بعض أشباه الموصلات والمعدات بسبب مخاوف من أن تستخدمها الشركات الصينية لأغراض عسكرية.