” فى نهاية اليوم يمكننا التحمل أكثر مما نعتقد أننا نتحمل، أنا لست مريضة، أنا مدمرة ولكن أمعن فى البقاء ولسوف اشعر بالابتهاج طالما تيسرت لى سبل الرسم” لم تكن الفتاة ذات الملامح الحادة والدائمة العبوس فتاة عادية قدر لها ان ترسم، انها فتاة أجرت 32 عملية جراحية نتيجة حادث سيارة مآساوى كان البطل الوحيد لحياتها فيما بعد، وظلت طريحة الفراش لفترة طويلة، كما كان لعلاقتها بحبيبها وزوجها وقعا اخر سيئا على روحها فما كان منها الا المقاومة وتوثيق ما تراه فى عوالمها من خلال الريشة فكانت قادرة على ذلك تمام القدرة.

sss

 

فريدا كاهلو الرسامة المكسيكية من أكثر الشخصيات التى صاحبت الريشة واكتفت برسم نفسها ليس من باب النرجسية إنما من باب محبة الذات المتألمة والرغبة فى البوح على طريقتها الخاصة، التقت الرسام دييغو ريفيرا والذى اصبح مرشدها فيما بعد ونشات بينهما قصة حب عنيفة كانت قصة حب وغضب وضوضاء، انتهت بالزواج على الرغم من اعتراض والدها .

مذكرات فريدا كاهلو: صورة ذاتية حميمة تغطي سبعة وعشرين عاماً من علاقتها بزوجها

الزواج الذى كان عليه الكثير من علامات الاستفهام خاصة بعد الحديث عن علاقات ثنائية أخري جمعت كليهما بأخرين كان يحمل شغفا خاصا سجلته الفنانة المكسيكية بريشتها، عندما جعلت ” ريفيرا” يقف بجانبها وهي ملقاه فى أحدى اللوحات على سرير والدماء تنزف منها وعارية تماما

رسائل الحب التي بعثتها كاهلو إلى ريفيرا والتي تم العثور عليها في كتاب “مذكرات فريدا كاهلو: صورة ذاتية حميمة”The Diary of Frida Kahlo” والتي تغطي سبعة وعشرين عاماً من علاقتهما، تظهر الأحاسيس العميقة والمستمرة التي حفظها كل منهما نحو الآخر، أحاسيس مترعة بالمشاعر الملتهبة التي طفح بها أي حب مقيم كامل: النشوة والحرقة والتفاني والرغبة والشوق والفرح، علاقة غريبة الأطوار كما وصفها الكثيرين ولكنها تحمل معادلة خاصة تخص بطليها، وقد أجادت كعادتها توصيفها فى أعمالها.

 

رغم أن الصور التي تجمعهم فى الواقع صورا عادية لزوج وزوجته وإن كانت الزوجة لا تبتسم مثله، إلا أنها مختلفة فى الواقع الفني على ورق اللوحات، فريدا كاهلو التي قالت ” ذاتي هى العنصر الذى أعرفه جيدا واستطيع رسمه”، جعلت فى إحدى اللوحات يديها بيد زوجها دييغو وهى أقصر منه وهو أطول رغم انه كان ممتلئا ويظهر العكس ووتقف الى جواره، وفى لوحة اخري رسمت وجهها محاطا بورودا بيضاء كثيرة وجعلت الزوج فى أعلي الجبهة كما لو كان وحيا أو شغفا لا يضيع أو هاجسا لا يتبدد.

كتبت له :لا شيء يضاهي يديك، لا شيء يشبه اللون الأخضر الذهبي في عينيك. جسدي ممتلئ بك لأيام وأيام، أنت مرآة الضوء، الومضة العنيفة للضوء. نداوة الأرض، جوف إبطيك ملاذي، أصابعي تلامس دمك، كامل متعتي تتجلى من خلال شعوري بالحياة تتدفق من نافورة زهورك التي تحتفظ بها نافورتي لملء كامل طرق أعصابي التي هي أعصابك”.

كان من الواضح ان حلم الأمومة الذى راودها مثلها مثل أى إمرأة والذى أجهضته الأيام والظروف لثلاث مرات كان هاجسا داخل عقلها، فوضعته فى كثير من اللوحات منها لوحة تظهر فيها سيدة أفريقية كما لو كانت ألهة للأمومة وثديها يقطر منه لبن الأمومة وتحمل فريدا كاهلو ذات الجرا الواضح فى اللحوة والتي تحمل هى الأخري زوجها دييغو كما لو كان طفلا ويد عليا تحتضن الجميع وهو ما يتفق مع إحدى رسائلها الى الطبيب الخاص به حين كتبت له ” أريد ان يكون لدي ديغو صغير” .

أخر رسائلها ” أتمني أن يكون الخروج ممتعا، كما لا أتمني أن أعود ثانية

كما عبرت مرة أخري عن آلام انفصالها عن دييغو فى فترة من لافترات قبل عودتهما مرة أخري فى لوحة عنونتها ” الفريدتان” وتجلس فيه فريدا كاهلو بزي مكسيكي تقليدي وقلبها يقطر دما على الزي ومقص فى إحدي اليدين والى الجوار هي أيضا والقلب مازال ينزف ويتصل بالصورة الأولي .

الجسد المجروح جعلته فى أحد اللوحات عبارة عن غزالة يتم اصطيادها وتنغرز فيه الكثير من السهام والرأس على صورتها، كما رسمت نفسها مرة أخري فى لوحة تجلس والى خلفها فتاة يظهر منها ظهرها العاري وتنام على ترولي عمليات وجروح قطعية بالظهر ظاهرة فى اشارة الى نفسها والتي تعد من أقوي الاشارات وهي قدرة رائعة على البوح من خلال الريشة والتعبير عن الألم فى هدوء موجع.

 

ورغم الحالة الصحية السيئة التي عانت منها الفنانة جميلة الملامح وبتر ساقها اليمني قبل موتهابفترة الا انها ظلت ترسم وتعبر عما يدور بداخلها رغم جرعات المورفين القوية التي كانت تتناولها لاحتمال الألم الجسدي، وفى عمر 47 عاما رحلت فريدا كاهلو عام 1954وتم حرق رفاتها حسب وصيتها ووضعه فى جرة داخل منزلها الأزرق لتنتهي أخر رسائلها ” أتمني أن يكون الخروج ممتعا، كما لا أتمني أن أعود ثانية .. فريدا”