مراسلون بلا حدود ترصد مظاهر عشر سنوات من قمع الصحافة في مصر
وفقا للتصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي يقيِّم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي، جاءت مصر في الترتيب 166 من بين 180 بلداً، ياتي التراجع فى التصنيف نتاج سنوات شهدت فيها مصر أعمال قيود على العمل الاعلامي، حيث
تعرض صحفيون إلى الاحتجاز والاستجواب التعسفي، كما حجبت السلطات أكثر من 500 موقع إخباري، وقُتل ما لا يقل عن ستة صحفيين.
وفي السياق، أصدرت مؤخرا منظمة مراسلون بلا حدود، تقرير يرصد حرية الصحافة وأحوال الصحفيين على مدار عشر سنوات مضت، وأشارت المنظمة خلال تقريرها إلى تراجع حرية الصحافة بشكل ملحوظ، وهو ما يدفع بتكرار المطالبات برفع القيود عنها، والتوقف عن حجب المواقع الإلكترونية، وتعديل التشريعيات القانونية المقيدة للعمل الصحفي .
ضمن تقريرها الأخير، تقول المنظمة أن النظام استغل معركته التطهيرية ضد الأخوان المسلمين منذ 2013؛ في استهداف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وبين ذلك اتهام السلطات لبعض المراسلين الأجانب في تُهم رسمية بـتخصيص “تغطية إعلامية منحازة للإخوان المسلمين.”
وتوضح منظمة مراسلين بلا حدود، كيف باتت موجات الاعتقالات مصاحبة لكل حدث أو كل مسيرة أو مظاهرة أو وقفة احتجاجية تندد بفساد الحكومة. وتقول: لم يعد هناك من مكان آمن يمكن فيه ممارسة أي شكل من أشكال التجمع أو العمل الجمعي.
اقتحام نقابة الصحفيين.
ففي 1 مايو/أيار 2016، اقتحمت قوات الأمن مقر نقابة الصحفيين لأول مرة منذ إنشائها في عام 1941، حيث اعتقلت صحفيَين اثنين على خلفية تغطيتهما لمظاهرات معارضة للنظام قبل شهر من ذلك التاريخ.
تهمة نشر أخبار كاذبة.
يشير تقرير المنظمة إلى عدة قضايا، منها قضية محمد إبراهيم رضوان، صاحب مدونة “أكسجين مصر”، ومؤسسها والذي أعيد إلى السجن عام 2019؛ بسبب استمراره في تغطية الاحتجاجات المناهضة للفساد وقضايا أخرى، بعد أشهر فقط من إطلاق سراحه، وهو الذي كان قد أمضى عاماً قيد الاحتجاز بتهمة “نشر معلومات كاذبة”.
وبين قضايا أخرى، يشير التقرير إلى قضية إسماعيل الإسكندراني، والذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات، والإسكندراني وجهت له تهم “إفشاء أسرار الدولة” و”الانتماء إلى جماعة محظورة” بينما هو صحفي وباحث مهتم بشئون سيناء.
ويوضح التقرير، أن هناك آخرين ظلوا أحياناً خلف القضبان لعدة أشهر قيد الاحتجاز القسري، بينما تعرض آخرون للضرب المبرح أثناء الاستجواب والحرمان من الرعاية الطبية.
تعرض محمد أكسجين إلى سوء المعاملة خلال فترة احتجازه، ووُضع في الحبس الانفرادي مرات في سجن طرة الخاضع لحراسة مشدَّدة، علماً أن محاميه دقَّ ناقوس الخطر محذِّراً من أن موكِّله “قد فقد الأمل تماماً”، وهو الذي دفعه وضعه اليائس إلى محاولة الانتحار.
قضية علاء عبد الفتاح.
طال هذا الوضع عدداً من رموز ثورة 2011 الآخرين، ومن بينهم الكاتب والمدون علاء عبد الفتاح، الذي اعتُقل أيضاً بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، حيث خاض إضراباً عن الطعام في مطلع إبريل/نيسان 2022، وعرض حياته للخطر عمداً، احتجاجاً على ظروف احتجازه، علماً أنه لا يزال قابعاً خلف القضبان، رغم كل الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي من أجل الإفراج عنه.
وتتابع “منظمة مراسلين” لم يكتف النظام الحالي بحبس الصحفيين وإساءة معاملتهم، بل شدد الإطار التشريعي بما يتيح له خنق الصحافة، حيث سن قانون الجرائم الإلكترونية عام 2018، ليُصبح أداة تشرِّع فرض الرقابة على المواقع الإلكترونية.
وفي هذا السياق، يواجه موقع مدى مصرعدة دعاوى قضائية، كما تم حجبه في مصر، بينما طال الاحتجاز رئيسة تحريره، لينا عطا الله، التي زُج بها خلف القضبان ثلاث مرات خلال السنوات العشر الأخيرة.
الاستحواذ.
ويوضح التقرير قيام السلطات المصرية في إحكام قبضتها على المنظومة الإعلامية بالتدريج، من خلال سيطرتها على عدد من المنابر الإعلامية، من خلال سلسلة من عمليات الاستحواذ والتغييرات التشريعية.
حسب تقرير سابق لمراسلين بلا حدود قامت المجموعة الإعلامية المصرية، التي تهيمن على القطاع السمعي البصري، ولا سيما بث القنوات التلفزيونية عبر الأقمار الصناعية، بتنفيذ ما لا يقل عن اثني عشر عملية استحواذ منذ عام 2016.
كما تبيَّن، أن عدداً من المذيعين والمشاهير من نجوم الشاشة العاملين في هذه المؤسسات الإعلامية الخاضعة لسيطرة الدولة يعمدون – بمحض إرادتهم أو بناءً على أوامر من جهات عليا – إلى شن حملات تشهير ضد من تبقى في البلاد من صحفيين ناقدين للنظام السياسى.
في غضون ساعات قليلة، يتم تناول الإعلانات من قبل جميع الصحافة، ويجد الصحفيون أنفسهم في مرمى النيران غارقين من جميع الجوانب بمقالات تنقل نفس العناصر اللغوية، موضحاً أمثلة على ذلك مشيرة إلى أحمد موسى كمدافع متشدد عن الحكومة، يضع نفوذه في خدمة السلطة، ويهاجم حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان .
بيئة إعلامية غامضة.
ومن خلال تحليل أجرته مراسلون بلا حدود حول ملكية 41 وسيلة إعلامية، تعد من بين أكثر وسائل الإعلام شعبية في مصر، أنها بيئة غامضة ومعقدة بشكل خاص، حيث لا يمكن معرفة البيانات المتعلقة بأصل الاستثمارات أو سندات الملكية.
وتختتم المنظمة التقرير بالقول، بينما لم تكن حرية الصحافة تحظى بالاحترام الواجب إبَّان حكم حسني مبارك، ولا خلال ولاية محمد مرسي القصيرة، فإن السنوات التي قضاها عبد الفتاح السيسي في السلطة حتى الآن أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك، أنها “أسوأ سنوات شهدتها حرية الصحافة في مصر”.
على حد تعبير صحفي مصري طلب عدم الكشف عن هويته، إذ ليس من المفاجئ أن تتراجع البلاد خلال هذه الفترة بما لا يقل عن ثماني مراكز في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حيث باتت تقبع في المرتبة 166 (من أصل 180 بلداً) في جدول ترتيب عام 2023.