يمثل قانون الإيجار القديم “خلية نحل” تخشى الحكومة ولوجها، فالحلول القانونية المطروحة دائمًا ما تثير غضب أحد طرفي الصراع التاريخي الممتد منذ الخمسينيات ممثلة في الملاك المتضررين من انخفاض القيمة الإيجارية، وحائزي الوحدات الذين يضمون شرائح اجتماعية مختلفة، بينها فئة محدودة الدخل.

فجر عضو مجلس النواب، عاطف مخاليف، أزمة بمشروع قانون جديد قدمه مجلس النواب يتعلق بالشقق المغلقة منذ أكثر من 3 سنوات، والتي يمكن حصرها عبر استهلاك الكهرباء والمياه، لمواجهة مشكلة توريث شقق الإيجار القديم.

يتضمن المقترح السماح بتوريث وحدات الإيجار القديم لحين بلوغ الابن الذكر سن الأهلية الكاملة من 18 إلى 21 سنة، فبلوغ سن 21 سنة يكتسب الأهلية الكاملة، و18 ممكن عن طريق المحكمة، وبالنسبة للبنت يكون حتى الزواج، وإذا كانت البنت لم تتزوج يكون لها فترة سماح بمدة زمنية خمس سنوات بعد بلوغ سن الـ 21 سنة لحين أن تتكفلها الدولة، وهذه الحالات محدودة“.

ولم يحدد المجلس موعدًا حتى الآن لنظر مشروع القانون المقترح، لكن التصريحات الصادرة عن لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب تؤكد أنه لن يدخل حيز النقاش قريبًا، باعتباره تشريع اجتماعي يخص ملايين البشر، ويحتاج لحوار مجتمعي موسع وتوافق كبير حوله حتى يتم تعديله وإصداره، بما يحقق الصالح العام للوطن والمواطن.

تخشى الحكومة كثيرًا ردة فعل أصحاب وملاك الوحدات يصل عددها إلى 5.2 مليون شقة على حد سواء، فالمشغول منها فعليًا لا يتجاوز 2.3 مليون، والباقي مغلق بعد رحيل مستأجريها لأماكن أخرى ورفضهم التخلي عنها لانخفاض القيمة الإيجارية التي لا تتجوز 10 جنيهات، أو التخطيط للعودة إليها مجددا وترك وحداتهم التي يقيمون لها لأبنائهم لكي يتزوجوا فيها.

تراجع وزارة الإسكان

قبل سنوات تراجعت وزارة الإسكان عن مشروع بوضع زيادة بناء على تاريخ الإيجار تصل إلى 330% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1952، و300% للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1958، و240% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1973، وفى الفترة من 1 يناير 1966 وحتى 1973 تصل نسبة الزيادة لـ170%، تنخفض لـ120% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1977، و90% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل تاريخ 31 ديسمبر 1981.

ووفقا لمقترح الوزارة، الذي تم ركنه في الأدراج دون حسم إمكانية تطبيقه أم لا، فإن الوحدات المبنية قبل 1984 تصل فيها الزيادة إلى 45%، وتهبط الزيادة لتصل  إلى 30% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل ديسمبر 1986، ثم 15% بالنسبة للوحدات المؤجرة قبل ديسمبر 1989، و7% للوحدات المؤجرة قبل 1991.

يقول المهندس عمرو حجازي، منسق جمعية المضاربين من قانون الإيجار القديم، إن أفضل مقترح يمكن تنفيذه، يتعلق بإنشاء صندوق الثروة العقارية الذي يدعم المستأجر غير القادر وبعدها يتم تحرير العلاقة بين الملك والمستأجر خلال 3 سنوات ابتداءً بالأقدم، بما يراعي مصلحة الطرفين.

يطالب أصحاب العقارات السكنية أن يتم معاملتهم مثل أصحاب الوحدات غير السكنية والتجارية التي حسمت الدولة أمرهم بمنح شاغلي الوحدات خمس سنوات لإخلائها، مع زيادة بنسبة 15% سنويًا من قيمة آخر أجرة قانونية.

ويضيف حجازي، الذي يملك عقارًا في شارع عباس العقاد بمصر الجديدة، أغلى شقة داخله لا يتجاوز إيجارها 15 جنيهًا، أن عقارات الإيجار القديم تمثل ثروة عقارية متميزة على وشك الانهيار بسبب عدم تحمل المستأجرين الصيانة، وفي الوقت ذاته لا يستطيع المالك دفعها في ظل عقود إيجارية لا تتجاوز قيمتها 10 جنيهات شهريًا وبعائد على بعض العقارات كاملا لا يتجاوز 100 جنيها.

يكشف أن بعض المستأجرين يعيدون تأجير تلك الشقق من الباطن بأسعار مرتفعة، وبعضهم يملك منازل ووحدات فاخرة في أماكن أخرى، ومع طول المشكلة باتت بعض العقارات بدون صاحب مع اتساع شبكة الوراثة، والأصل في العلاقة الإيجارية أن يكون كل شيء يخضع للعرض والطلب.

ويقول المهندس الاستشارية عبد المجيد جادو، الخبير العقاري، إن القانون القديم سبب مشكلة اجتماعية بين الملاك والمستأجرين، ما يتطلب من الدولة أن تستحدث تعديلاً تشريعيًا حتى لو تعلق ببند الصيانة فقط لمواجهة مشكلة انهيارات العقارات في القاهرة الخديوية ذات الطابع المعماري المتميز، فالملاك لن يقوموا بالصيانة في ظل ضعف العائد الإيجاري.

ويضيف أن الموضوع يتم إثارته أكثر من مرة وبعدها يختفي دون حلول واضحة، رغم وجود وسائل يمكن اللجوء إليها لحماية حقوق جميع الأطراف من بينها وضع خطط مرحلية لحل الأزمة تصل لـ 10 سنوات يتم فيها رفع القيمة الإيجارية بصورة مطردة، ومعقولة حفاظًا على حقوق المستأجرين من محدودي الدخل.

محدودو الدخل

تتعلق مشكلة الإيجار القديم بالساكن محدود الدخل في المقام الأول الذي لا يستطيع تحمل إيجارات القطاع الخاص، مثل طبقات العمال البسطاء وحارس العقارات الذين يستطيعون توفير قوت يومهم بالكاد.

يقول أحمد شلبي، مستأجر وحدة إيجار قديم بعين شمس، إن الوحدة التي حصل عليها كان إيجارها 15 جنيهًا في السبعينات، وكان مبلغ كبير حينها، ولا يستطيع بعد خروجه على المعاش حاليًا بمعاش لا يتجاوز 2400 جنيه، أن ينتقل إلى وحدة إيجار جديد، بمقابل لا يقل عن 1500 جنيه شهريًا.

لا يعارض “شلبي” رفع القيمة الإيجارية لكن بنسبة معقولة، فالحياة أصبحت صعبة على مالك العقار القديم والمستأجر أيضًا، كرفعها بنسبة 200% في العام الأول وتخفيضها بنسبة متتالية بعدها حتى يصل قيمة الوحدة المؤجرة لمتوسط بين 500 و750 جنيهًا شهريًا تعادل نصف قيمة الإيجار القديم.

اقتراحات

وقدم بعض المستأجرين اقتراحاً بأن يتم إلزام الملاك بدفع نصف إيجار الوحدات التي تنتقل إليها الفئات الفقيرة لمدة 10 سنوات، بعد توفيرهم أوراق رسمية معتمدة من وزارة التضامن تثبت انتمائهم للفئات التي تحتاج لدعم اجتماعي أو أن يتم حساب إيجار 5 سنوات دفعة واحدة وأن يلزموا بدفع نصفه شهريًا أو بمعنى أخر إذا كان الإيجار 10 جنيهات شهريا يتم حسابه على مدار السنوات الخمس بقيمة 300 ودفع نصف ذلك المبلغ شهريًا طوال الفترة سالفة الذكر.